المسلمون الجدد
قصة هداية ورشاد
قصص المسلمين الجدد مثيرة للغاية وتبعث على التأمل والتفكر، وتؤكد هذه القصص بما لا يدع مجالًا للشك أن الدين عند الله الإسلام، وأن الإسلام هو الحق وهو دين الفطرة، ومهما حاول أعداء الإسلام إطفاء نوره فلن يستطيعوا؛ إذ الله متم نوره ولو كره الكافرون، وقصص المسلمين الجدد أكبر شاهد على ذلك، وهذه البوابة ترصد المسلمين حديثي الدخول في الدين من الديانات والملل الأخرى، سواء كانوا مشاهير من سايسيين الرياضيين أو فنانين أو علماء أو مفكرين أو شخصيات عامة، تعرض قصة إسلامهم، كيف تعرفوا على الإسلام؟ ولم اعتنقوه؟ وما العوائق التي قابلتهم في رحلة الهداية.
ملخص المقال
عبد الله الترجمان المايوركي، كان قسًا نصرانيًا اسمه أنسيلم تورميدا، فلمّا شرح اللَّه صدره إلى الإسلام سمى نفسه عبد الله، وألف كتاب تحفة الأريب.
عبد اللَّه المايوركي، أو عبد اللَّه المايورقي، الشهير بعبد الله الترجمان، كان مسيحيًا إسبانيًا في جزيرة مايوركا، وقسيسًا عظيم الشأن، كما كان من أكبر علماء النصارى في القرن الثامن الهجري، وكان اسمه قبل إن يسلم (إنسلم تورميدا)، فلمّا شرح اللَّه صدره وهداه إلى الإسلام سمى نفسه عبد الله، وأضيف ليه لقب الترجمان لأنه اشتغل بالترجمة لسلطان تونس بعد إسلامه، وقد ألف كتاب "تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب" باللغة العربية سنة 823ه، ثم ترجم إلى الفرنسية ونشر في مجلة تاريخ الأديان بباريس سنة 1885م.
قصة إسلام عبد الله الترجمان
روى عبد الله الترجمان قصة إسلامه في كتابه تحفة الأريب: اعلموا رحمكم الله أن أصلي من مدينة مايوركا، وكان والدي محسوبًا من أهلها، ولم يكن له ولد غيري، ولما بلغت ست سنين من عمري أسلمني إلى معلم من القسيسين قرأت عليه الإنجيل حتى حفظت أكثر من شطره في مدة سنتين، ثم أخذت في تعلم لغة الإنجيل وعلم المنطق في ست سنين، ثم ارتحلت من بلد مايوركا إلى مدينة لاردة من أرض كتالونيا وهي مدينة العلم عند النصارى في ذلك القطر، وبهذه المدينة تجتمع طلبة العلم من النصارى، فقرأت فيها علوم الطبيعة والنجوم مدة ست سنين، ثم صرت أقرأ الإنجيل وألقنه مدة أربع سنين.
ثم ارتحلت إلى مدينة بلونية فسكنت بها، وهي مدينة علم وبها كنيسة لقسيس كبير السن والقدر اسمه نقلاومرتيل، وكانت منزلته بالعلم والدين والزهد رفيعة جدًا، فكانت الأسئلة في دين النصرانية والهدايا ترد عليه من الملوك وغيرهم، بل ويرغبون بالتبرك به وفي قبوله لهداياهم ويتشرفون بذلك، فقرأت على هذا القسيس علم أصول دين النصرانية وأحكامه ولم أزل أتقرب إليه بخدمته والقيام بكثير من وظائفه حتى صيرني من أفضل خواصه ودفع لي مفاتيح سكنه وخزائن مأكله ومشربه، فلازمته بالقراءة عليه والخدمة له عشر سنين، ثم أصابه مرض يومًا فتخلف عن حضور مجلس قراءته وانتظره أهل المجلس وهم يتذاكرون في مسائل من العلم إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قوله عز وجل على لسان نبيه عيسى عليه السلام «إنه يأتي من بعدي نبي اسمه البارقليط» فبحثوا في تعيين هذا النبي من هو من الأنبياء وقال كل واحد منهم بحسب علمه وفهمه فعظم بينهم في ذلك مقالهم وكثر جدالهم ثم انصرفوا من غير تحصيل فائدة في تلك المسألة.
فأتيت مسكن الشيخ صاحب الدرس المذكور فقال لي: ما الذي كان عندكم اليوم من البحث في غيبتي عنكم؟ فأخبرته باختلاف القوم في اسم البارقليط وأن فلانًا قد أجاب بكذا وفلانًا بكذا وسردت له أجوبتهم، فقال لي: وبماذا أجبت؟ فقلت: بجواب القاضي فلان في تفسير الإنجيل، فقال لي: ما قصرت وقربت، وفلان أخطأ، وكاد فلان أن يقارب، ولكن الحق خلاف هذا كله لأن تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا العلماء الراسخون في العلم وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلا القليل.
فبادرت إلى قدميه أقبلهما وقلت له: يا سيدي قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد ولي في خدمتك عشر سنين حصلت عنك فيها جملة من العلوم لا أحصيها فلعل من جميل إحسانكم أن تمنوا عليّ بمعرفة هذا الاسم الشريف. فبكى الشيخ وقال: يا ولدي والله إنك لتعز عليّ كثيرًا من أجل خدمتك لي وانقطاعك إلي، وإن في معرفة هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة، لكن أخاف عليك أن تظهر ذلك فيقتلك عامة النصارى في الحين.
فقلت له: يا سيدي والله العظيم وحق الإنجيل ومن جاء به لا أتكلم بشيء مما تسر إليّ إلا عن أمرك. فقال لي: يا ولدي إني سألتك في أول قدومك إلي عن بلدك وهل هو قريب من المسلمين وهل يقرونكم أو تقرونهم لأختبر ما عندك من المنافرة للإسلام، فاعلم يا ولدي أن البارقليط هو اسم من أسماء نبيهم محمد وعليه نزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال عليه السلام وأخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه وأن دينه دين الحق وملته هي الملة البيضاء المذكورة في الإنجيل.
قلت: يا سيدي وما تقول في دين هؤلاء النصارى؟ فقال لي: يا ولدي لو أن النصارى أقاموا على دين عيسى الأول لكانوا على دين الله، لأن عيسى وجميع الأنبياء دينهم دين الله. فقلت: يا سيدي وكيف الخلاص من هذا الأمر؟ فقال: يا ولدي بالدخول في دين الإسلام. فقلت له: وهل ينجو الداخل فيه؟ فقال لي: نعم ينجو في الدنيا والآخرة.
قلت له: يا سيدي إن العاقل لا يختار لنفسه إلا أفضل ما يعلم فإذا علمت فضل دين الإسلام فما يمنعك منه؟ فقال لي: يا ولدي إن الله لم يطلعني على حقيقة ما أخبرتك من فضل دين الإسلام وشرف دين الإسلام إلا بعد كبر سني ووهن عظمي ولا عذر لنا فيه، بل حجة الله علينا قائمة، ولو هداني الله لذلك وأنا في سنك لتركت كل شيء ودخلت في الحق وحب الدنيا رأس كل خطيئة، وأنت ترى ما أنا فيه عند النصارى من رفعة الجاه والقدر والعز والشرف وكثرة عرض الدنيا، ولو أني ظهر عليّ شيء من الميل إلى دين الإسلام لقتلني العامة في أسرع وقت.
ولو أني نجوت منهم وخلصت إلى المسلمين وقلت لهم إني جئتكم مسلمًا فيقولون لي قد نفعت نفسك بالدخول في دين الحق فلا تمنّ علينا في دين خلصت به نفسك من عذاب الله، فأبقى بينهم شيخًا كبيرًا فقيرًا ابن تسعين سنة لا أفقه لسانهم ولا يعرفون حقي فأموت بينهم بالجوع.
وأنا والحمد لله على دين عيسى وما جاء به يعلم الله ذلك مني. فقلت له: يا سيدي أفتأذن لي أن أمشي إلى بلاد المسلمين وأدخل في دينهم؟ فقال لي: إن كنت عاقلًا طالبًا للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة، ولكن يا ولدي هذا أمر لم يحضره أحد معنا الآن فاكتمه لغاية جهدك وإن ظهر عليك منه شيء لقتلك العامة لحينك ولا أقدر على نفعك، ولا ينفعك أن تنقل ذلك عني فإني أجحده وقولي مصدق عليك وقولك غير مصدق عليّ وأنا بريء من دمك إن فهت بشيء من هذا.
فقلت: يا سيدي أعوذ بالله من سريان الوهم لهذا، وعاهدته بما أرضاه ثم أخذت في أسباب الرحلة وودعته، فدعا لي بخير وزودني بخمسين دينارًا ذهبًا وركبت البحر منصرفًا إلى بلاد مدينة مايوركا فأقمت بها ستة أشهر، ثم سافرت منها إلى مدينة صقلية فأقمت بها خمسة أشهر وأنا أنتظر مركبًا يتوجه إلى أرض المسلمين، فحضر مركب يسافر إلى مدينة تونس فسافرت فيه من صقلية فأقلعنا عن قرب مغيب الشفق فوردنا مرسى تونس قرب الزوال.
فلما نزلت بديوان تونس وسمع بي الذين بها من أحبار النصارى أتوا بمركوب وحملوني معهم إلى بلادهم، فأقمت عندهم في ضيافتهم على أرغد عيش أربعة أشهر، وبعد ذلك سألتهم هل بدار السلطنة أحد يحفظ لسان النصارى، وكان السلطان إذ ذاك مولانا أبا العباس أحمد رحمه الله، فذكروا لي النصارى: أن بدار السلطنة رجلًا فاضلًا من أكبر خدامه اسمه يوسف الطبيب، وكان طبيبه ومن خواصه، ففرحت بذلك فرحًا شديدًا، وسألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب فدللت عليه واجتمعت به وذكرت له شرح حالي وسبب قدومي لدخولي في الإسلام فسرّ بذلك الرجل سرورًا عظيما بأن يكون تمام هذا الخير على يديه.
ثم ركب فرسه واحتملني معه لدار السلطان فدخل عليه وأخبره بحديثي واستأذنه علي فأذن لي، فمثلت بين يديه فأول ما سألني عن عمري فقلت له خمسة وثلاثون عامًا، ثم سألني كذلك عما قرأت من العلوم فأخبرته فقال: قدمت قدوم خير فأسلم على بركة الله تعالى، فقلت للترجمان وهو الطبيب المذكور: قل لمولانا السلطان إنه لا يخرج أحد من دينه إلا ويكثر أهله القول فيه والطعن عليه، فأرغب من إحسانكم أن تبعثوا إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأخيارهم وتسألوهم عني وتسمع ما يقولون في جنابي وحينئذ أسلم إن شاء الله، فقال لي بواسطة الترجمان: أنت طلبت كما طلب عبد الله ابن سلام من النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم.
فأرسل إلى خيار النصارى وبعض تجارهم وأدخلني في بيت قريب من مجلسه، فلما دخل النصارى عليه قال لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب؟ قالوا: يا مولانا هذا عالم كبير في ديننا، وما رأينا أعلى منه درجة في العلم والدين، فقال لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم؟ فقالوا: نعوذ بالله من ذلك، هو ما يفعل هذا أبدا، فلما سمع ما عند النصارى بعث إلي فحضرت بين يديه وتشهدت بشهادتي الحق بمحضر النصارى فكبوا على وجوههم، وقالوا ما حمله على هذا إلا حب التزويج فإن القسيس عندنا لا يتزوج، فخرجوا مكروبين محزونين.
فرتب لي السلطان رحمه الله ربع دينار في كل يوم، فلما عزمت على الزواج أعطاني مائة دينار ذهبًا وكسوة جيدة كاملة، فابتنيت بزوجتي ووُلد لي منها ولد سميته محمدًا على وجه التبرك باسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم[1].
[1] عبد الله الترجمان: تحفة الاريب في الرد على اهل الصليب، تحقيق: دكتور محمود علي حماية، دار المعارف، كورنيش النيل، القاهرة، الطبعة الثالثة، ص37- 48.
التعليقات
إرسال تعليقك